من لم يلاحظ ملمحا جديا في ذهول الوجوه في جنيف ؟ـ ـــــ
لقد ذهل حتى من سمكت جلودهم
لكثرة استخدام مادة حقوق الإنسان أداة في السياسة والخطابة
لكنه الذهول من كون الفضيحة تكمن في عدم وجود فضيحة
فالفضائح تصدم عادة بعد انكشاف (أو ادعاء انكشاف) أي انفضاح
معلومات استترت عن العيون حتى اللحظة
وتصاغ المعلومات الجديدة على شكل قصة مشينة بمعايير الغالبية
وبمعايير أبطال القصة : سرقة ، خيانة وطنية
تآمر مع العدو لتسليم أصدقاء
مصالح مالية وراء موقف سياسي مفاجئ وغريب
ــــــــــــــ
ان السلطة الفلسطينية قد هددت من قبل تل ابيب
برفض اعطائها ترخيص شركة الخلوي الثانية
المسماة الوطنية اذا ما كان موقفها مؤيدا وداعما للتقرير
والتصويت عليه خاصة و ان السلطة ووفق الرواية الاسرائيلية
وفي حال لم تحصل على الرخصة بحلول 15 الشهر الجاري
فانها ستكون مضطرة الى دفع قرابة ال 300 مليون دولار
تعويضا للمستثمرين المساهمين بالشركة
ـــــــــــــــــــــ
في جنيف كان كل شيء واضحا إلى حد الذهول
لقد ارتسم الذهول على النفوس والوجوه
من شدة الوضوح والمجاهرة
وليس من وطأة الانكشاف
ويكتفي المذهولون من الوضوح بالتعبيرعن الدرجة
بإضافة عبارتين : كنت أعلم
.. ولكن لم أتوقع أنهم وصلوا إلى هذا الحد
جرت العادة أن تطالب حركات التحرر المجتمع الدولي
باتخاذ موقف من جرائم الاحتلال
تحاججه وتحرجه بازدواجية معاييره الداخلية والخارجية .. تتوسّله
في جنيف كان ما يسمى زورا وبهتانا بـ المجتمع الدولي
محرجا سلفا بتقرير جاء مفاجئا بالتفاوت بين التوقعات
من معدِّه المكلَّف به والمؤتمن عليه من جهة
وبين مضمونه من جهة أخرى
وهدّدت إسرائيل السلطة علنا وليس سرا
مرة أخرى أكرر : هددهم نتنياهو وغير نتنياهو علنا
في خطابات متكررةٍ بأن استمرار عملية السلام
وتلبية مطالبهم الاقتصادية مرهون بعدم تأييد التقرير الأممي
الذي يدين إسرائيل على جرائمها
في عدوانها الاستعماري على قطاع غزة
أما ليبرمان فقد هدد بالكشف عن تورط السلطة الفلسطينية
في دعم الحرب الإسرائيلية وتراجعت السلطة علنا عن تأييد التقرير
فالتأجيل في عرف الهيئات التي تحشد رأيا عاما وترقّبًا وأصواتا
هو تنفيسٌ لجهد وهو في الواقع إفشالٌ لمشروع قرار
ثم عندما يتراجع صاحب الشأن عن القضية
يصبح بإمكان الآخرين أن يتحرروا من العبء
لينتقل صاحب الشأن بعد ذلك
إلى الاختباء وراء تحرر الآخرين من العبء
مكتب رئيس السلطة يسرّب معلومات
بأن الضغط للتراجع عن دعم التقرير جاء من مكتب رئيس الحكومة
والأخير يؤكد العكس
وطرف ممن كان يسارا فلسطينيا يدين الموقف المخجل
للمندوب الفلسطيني في جنيف
وكأن الأخير هو صاحب قرار
في حين أن ممثل الفصيل اليساري يجلس في الحكومة صاحبة القرار
ويؤيد الرئيس صاحب القرار
وخذ على هذا المنوال .. عارنا في جنيف
الوجوه كالقديد ، وفقدان ماء الوجه بلغ حد التحنط
د.عزمي بشارة